إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية
53750 مشاهدة
بُعْد ابن تيمية عن التأويل

...............................................................................


مـا العلم نصبك للخلاف سفاهة
بــين النصوص وبين رأي فقيه
أي: ليس العلم هو أن تنصب النصوص، وتعارض بعضها ببعض، وتطعن هذا بهذا، فإن هذا مما لا يحبه الله، ومما يكون سببا لرد الأدلة، ويقول آخر:
كل العلـوم سوى القرآن مشغلة
إلا الحديث وإلا الفقه في الديــن
العلـم ما كـان فيه قـال حدثنا
وما سوى ذاك وسواس الشياطين
فلذلك يقول الشيخ هاهنا:
وأقــول قـال الله جـل جـلاله
والمصطـفى الهـادي ولا أتـأول
يعني: أقتصر على: قال الله، قال رسوله، ولا أتأول.
التأول هو: صرف اللفظ عن ظاهره، وهو الذي وقع فيه المعتزلة والأشعرية وسائر المبتدعة؛ الذين صارت أدلتهم؛ الأدلة عندهم محرفة مصروفة عن ظاهرها، وعن دلالتها. إذا جاءهم الدليل قالوا: هذا يحتاج إلى تأويل، وما مرادهم بالتأويل؟ هو في الحقيقة التحريف كاليهود يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ فعابهم الله بقوله: يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ .
ذكر العلماء أن التحريف: ينقسم إلى تحريف لفظي، وتحريف معنوي فالتحريف اللفظي: تغيير الكلمة، حتى يتغير معناها، تغيير لفظها. مثل المعتزلة والأشعرية ونحوهم يقولون في: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى أي: استولى، فيزيدون فيها لاما، وهذا تحريف لفظي. زادوا في القرآن ما ليس منه، فقالوا: استوى يعني: استولى، ولو كان كذلك لكان العرش مثل غيره أن الله استولى على جميع المخلوقات.
ولا يجوز أن يُقال: الرحمن على الأرض استولى، الرحمن على .. استوى فالاستواء غير الاستيلاء؛ فتكون هذه اللام زيادة حرفوا بها الكلام؛ ولذلك يقول .
ابن القيم لما ذكر أدلة العلو، وأنه نوعها إلى واحد وعشرين دليلا قال:
منه استواء الرب فوق العرش في
سـبع أتـت فـي محكم القـرآن
وكـذلك اطـردت بـلا لام ولـو
كانت بمعنـى الـلام في الأذهـان
لأتت بها في موضع كي يحمل الـ
باقـي عليهـا وهـو ذو إمكـان
يقول: إن الله تعالى ذكر الاستواء في سبعة مواضع من القرآن، وكلها اطردت بلا لام، لم يرد في موضع واحد استولى، لو جاءت في موضع واحد استولى لقالوا: يُحمل المطلق على المقيد، فلما لم يكن فيها لام في أحد المواضع دل على أن هذه اللام من زيادتكم أيها المعتزلة؛ ولذلك يقول ابن القيم في النونية أيضا:
نـون الـيهود ولام جهمي همـا
في وحـي رب العـرش زائدتـان
يعني: اليهود لما قيل لهم: قولوا حِطة، قالوا: حنطة، فزادوا فيها نونا، والجهمية لما قيل لهم: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى قالوا: استولى، فزادوا فيها لاما:
نـون اليهـود ولام جـهمي هما
في وحـي رب العـرش زائدتـان
يسمون هذا تأويلا، ويقولون: التأويل صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح بدليل يقترن به؛ هكذا يفسرون التأويل.
ونحن نقول: على تعريفكم التأويل: هو تحريف الكلم عن مواضعه، فأنتم من الذين يحرفون الكلم من بعد مواضعه شئتم أم أبيتم؛ حيث أنكم تصرفتم في دلالة الألفاظ، وزدتم فيها، وغيرتم دلالتها.